فصل: كِتَاب الْخُنْثَى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.كِتَاب الْخُنْثَى:

وَهُوَ عَلَى وَزْنِ فُعْلَى بِالضَّمِّ أَوْرَدَهُ عَقِيبَ الْوَصَايَا؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْوَالِ مَنْ هُوَ نَاقِصُ الْقُوَّةِ لِإِشْرَافِهِ عَلَى الْمَوْتِ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ أَحْوَالِ مَنْ هُوَ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ (هُوَ) أَيْ الْخُنْثَى مِنْ الْخَنْثِ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ وَهُوَ اللِّينُ وَالتَّكَسُّرُ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ، وَلِذَا لَا يَلْحَقُهَا أَلْفٌ وَلَا نُونٌ وَكُلُّ الْقِيَاسِ أَنْ يُوصَفَ بِالْمُؤَنَّثِ، وَيُؤَنَّثَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ نَظَرُوا إلَى عَدَمِ تَحْقِيقِ التَّأْنِيثِ فِي ذَاتِهِ فَلَمْ يُلْحِقُوا عَلَامَةَ التَّأْنِيثِ فِي وَصْفِهِ وَتَذْكِيرُهُ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورَةِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَنَّثْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَنَا فَذُكِرَ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ كَالْجُزْءِ وَالشَّكْلِ (مَنْ لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجٌ) أَيْ مَا لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَآلَةُ النِّسَاءِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ عَرِيَ عَنْ الْأَلْيَتَيْنِ جَمِيعًا.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ خِلَافُهُ قَالَ وَفِيمَا ذَكَرَهُ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا، وَخَرَجَ بَوْلُهُ مِنْ سُرَّتِهِ لَيْسَ بِخُنْثَى وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَأَبُو يُوسُفَ إنَّا لَا نَدْرِي اسْمَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ فِي حُكْمِ الْأُنْثَى.
(وَإِنْ بَالَ مِنْ أَحَدِهِمَا اُعْتُبِرَ بِهِ) أَيْ إنْ بَالَ مِنْ ذَكَرِهِ فَذَكَرٌ وَأَنْ بَالَ مِنْ فَرْجِهِ فَأُنْثَى؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ كَيْفَ يُورَثُ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» وَلِأَنَّ التَّبَوُّلَ مِنْ أَيْ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ.
(وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الذَّكَرِ وَالْفَرْجِ (اُعْتُبِرَ الْأَسْبَقُ)؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ سَبْقُ خُرُوجِهِ عَلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ.
(وَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي الْخُرُوجِ (فَهُوَ مُشْكِلٌ) أَيْ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَوَقَّفَ فِيهِ مِنْ كَمَالِ وَرَعِهِ (وَلَا اعْتِبَارَ بِالْكَثْرَةِ) أَيْ كَثْرَةِ الْبَوْلِ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عِنْدَهُ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ قُوَّةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَلِكَوْنِهِ عُضْوًا أَصْلِيًّا، وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ الْكَثْرَةُ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.
وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ الْخُرُوجِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ لِاتِّسَاعٍ فِي أَحَدِهِمَا وَضِيقٍ فِي الْآخَرِ.
(فَإِذَا بَلَغَ) الْخُنْثَى بِالسِّنِّ (فَإِنْ ظَهَرَتْ بَعْضُ عَلَامَاتِ الرِّجَالِ مِنْ نَبَاتِ لِحْيَةٍ أَوْ قُدْرَةٍ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ احْتِلَامٍ كَالرَّجُلِ) أَوْ كَانَ لَهُ ثَدْيٌ مُسْتَوٍ (فَرَجُلٌ) أَيْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّجَالِ (فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ مِنْ حَيْضٍ وَحَبَلٍ وَانْكِسَارِ ثَدْيٍ وَنُزُولِ لَبَنٍ فِيهِ وَتَمْكِينٍ مِنْ الْوَطْءِ فَامْرَأَةٌ) أَيْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّسَاءِ.
(وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ) مِنْ عَلَامَاتِ الذُّكُورَةِ وَلَا مِنْ عَلَامَاتِ الْأُنُوثَةِ (أَوْ تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْمَعَالِمُ) مِثْلُ مَا إذَا حَاضَ وَخَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، أَوْ يَأْتِي وَيُؤْتَى (فَمُشْكِلٌ) أَيْ فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ.
وَعَنْ الْحَسَنِ يُعَدُّ أَضْلَاعُهُ فَإِنَّ ضِلْعَ الرَّجُلِ يَزِيدُ عَلَى ضِلْعِ الْمَرْأَةِ بِوَاحِدٍ (قَالَ مُحَمَّدٌ الْإِشْكَالُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَإِذَا بَلَغَ فَلَا إشْكَالَ) وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا بَلَغَ صَاحِبُ الْأَلْيَتَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَزُولَ الْإِشْكَالُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَامَعَ بِذَكَرِهِ أَوْ نَبَتَ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ احْتَلَمَ كَاحْتِلَامِ الرِّجَالِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ نَبَتَ لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ رَأَى حَيْضًا أَوْ جُومِعَ كَمَا يُجَامَعْنَ أَوْ ظَهَرَ بِهِ حَبَلٌ أَوْ نَزَلَ فِي ثَدْيِهِ لَبَنٌ فَهِيَ امْرَأَةٌ كَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ.
(وَإِذَا ثَبَتَ الْإِشْكَالُ أُخِذَ فِيهِ) أَيْ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (بِالْأَحْوَطِ فَيُصَلِّي بِقِنَاعٍ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ امْرَأَةً حَتَّى لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا إذَا كَانَ حُرًّا، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَى النِّسَاءِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ (وَيَقِفُ بَيْنَ صَفَّيْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) فَيُقَدَّمُ عَلَى النِّسَاءِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا (فَلَوْ وَقَفَ فِي صَفِّهِمْ) أَيْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ لَكِنْ (يُعِيدُ) صَلَاتَهُ (مَنْ لَاصَقَهُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَمَنْ بِحِذَائِهِ مِنْ خَلْفِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ، وَهَذَا إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَةَ النِّسَاءِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُعِيدَ هَؤُلَاءِ صَلَاتَهُمْ بَلْ يُعِيدُ هُوَ احْتِيَاطًا.
(وَإِنْ) وَقَفَ (فِي صَفِّهِنَّ) أَيْ صَفِّ النِّسَاءِ (أَعَادَ) صَلَاتَهُ (هُوَ) أَيْ الْخُنْثَى فَقَطْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ احْتِيَاطًا (فَلَا يَلْبَسُ) الْخُنْثَى (حَرِيرًا وَلَا حُلِيًّا) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَكَرًا وَالتَّرْجِيحُ لِلْحَظْرِ فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِبَاحَةِ (وَيَلْبَسُ الْمِخْيَطَ فِي إحْرَامِهِ وَلَا يَكْشِفُ) نَفْسَهُ (عِنْدَ رَجُلٍ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَاهِقَةً لَمْ يَنْظُرْ إلَى مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفِّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ مُرَاهِقًا لَمْ يَنْظُرْ إلَى مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ (وَلَا) عِنْدَ (امْرَأَةٍ) لِأَنَّهَا لَا تَنْظُرُ إلَى مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ مُرَاهِقًا كَانَ أَوْ مُرَاهِقَةً كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَلَا يَخْلُو بِهِ) أَيْ بِالْبَالِغِ وَمَا فِي حُكْمِهِ (غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ) تَحَرُّزًا عَنْ احْتِمَالِ الْحَرَامِ (وَلَا يُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) مِنْ الرِّجَالِ وَلَا مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَيَكُونُ سَفَرَ امْرَأَتَيْنِ بِلَا مَحْرَمٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَلَا يَخْتِنُهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ) تَحَرُّزًا عَنْ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَلَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلطَّبِيبِ وَالْجَرَّاحِ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ النَّظَرِ لِلضَّرُورَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ الْخِتَانِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ لَكِنَّ النَّظَرَ لَيْسَ بِمَحَلِّهِ لِأَنَّ الْخِتَانَ عِنْدَنَا سَنَةٌ تَدَبَّرْ وَهَذَا إذَا كَانَ مُرَاهِقًا، وَإِلَّا فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتِنَ (بَلْ تَبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ) عَالِمَةٌ بِالْخَتْنِ (تَخْتِنُهُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْخُنْثَى (مَالٌ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي حَالِ الْعُذْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) يُقْرَضُ ثَمَنُهَا وَيَشْتَرِيهَا؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا إذَا كَانَ أَبُوهُ مُعْسِرًا وَإِلَّا فَمِنْ مَالِ أَبِيهِ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْخَتْنِ (تُبَاعُ) الْأَمَةُ وُجُوبًا، وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا.
وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ عَالِمَةً بِخَتْنِهِ عَلَى مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَذَهَبَ الْحَلْوَانِيُّ إلَى أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ امْرَأَةً يَنْظُرُ الْجِنْسُ إلَى الْجِنْسِ وَالنِّكَاحُ لَغْوٌ وَإِلَّا فَكَنَظَرِ الْمَنْكُوحَةِ إلَى النَّاكِحِ.
(فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ظُهُورِ حَالِهِ) مِنْ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ (لَا يُغَسَّلُ) لِلِاحْتِمَالَيْنِ (بَلْ يَتَيَمَّمُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَسُّ شَيْءٌ فِيهِ إلَّا الْوَجْهُ وَالْيَدُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ.
وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنْ لَا يُشْتَرَى لِأَجْلِ الْغُسْلِ أَمَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى خِرْقَةٍ عَلَى الْيَدِ عِنْدَ التَّيَمُّمِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُتَيَمِّمُ مَحْرَمًا فَقَدْ يَتَيَمَّمُ بِالْخِرْقَةِ.
(وَيُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ) كَمَا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فَهُوَ أَحَبُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى (وَلَا يَحْضُرُ بَعْدَمَا رَاهَقَ غُسْلَ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ) لِاحْتِمَالِ الْحَالَيْنِ (وَنُدِبَ تَسْجِيَةُ قَبْرِهِ) أَيْ سَتْرُهُ بِثَوْبٍ عِنْدَ الدَّفْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَسَتْرُ قَبْرِهَا وَاجِبٌ (وَيُوضَعُ الرَّجُلُ) أَيْ جِنَازَتُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ بِيَقِينٍ (مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْخُنْثَى بِقُرْبِ الرَّجُلِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ (ثُمَّ) تُوضَعُ (الْمَرْأَةُ) بِقُرْبِ الْخُنْثَى لِيَبْعُدَ عَنْ النَّظَرِ (إنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ جُمْلَةً) رِعَايَةً لِحَقِّ التَّرْتِيبِ.
وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْجَنَائِزِ أَنْ يُصَلَّى عَلَى كُلٍّ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (أَخَسُّ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَأَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَفِي الْكِفَايَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ الْإِمَامِ.
وَفِي النَّظْمِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَهُمَا فِي ظَاهِرِ الْأُصُولِ أَيْ الْأَقَلِّ مِنْ نَصِيبِ الذَّكَرِ وَمِنْ نَصِيبِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ يُنْظَرُ نَصِيبُهُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ فَرَّعَهُ وَقَالَ (فَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ عَنْهُ) أَيْ الْخُنْثَى (وَعَنْ ابْنٍ فَلِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلَهُ سَهْمٌ) عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ شَكٌّ، وَالْمَالُ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَلَوْ تَرَكَهُ وَبِنْتًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَرْضًا وَرَدًّا.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَذَا فِي صُورَتَيْنِ.
الْأُولَى مَا يُفْرَضُ فِيهِ الْخُنْثَى أُنْثَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَالثَّانِيَةُ مَا يُفْرَضُ فِيهِ ذَكَرًا، وَهَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى صُورَتَيْنِ.
أَحَدُهُمَا مَا يَكُونُ فِيهِ الْخُنْثَى مَحْرُومًا كَمَا إذَا تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ أُخْتًا فَلَهُ سَهْمٌ هُوَ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ نِصْفٌ فَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ إلَى سَبْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَخًا فَمَحْرُومٌ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ فَرْضِهِمَا وَهُوَ النِّصْفَانِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَخَسُّ الْحَالَيْنِ فَيُفْرَضُ كَوْنُهُ ذَكَرًا.
وَالثَّانِيَةُ مَا يَكُونُ غَيْرَ مَحْرُومٍ كَمَا إذَا تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَخُنْثَى لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْخُنْثَى أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلَهُ نِصْفٌ كَالزَّوْجِ وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ فَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ إلَى ثَمَانِيَةٍ وَإِنْ كَانَ أَخًا فَلَهُ سَهْمٌ وَلِلزَّوْجِ نِصْفٌ وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَخَسُّ الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ الْوَاحِدَ مِنْ سِتَّةٍ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَيُفْرَضُ كَوْنُهُ ذَكَرًا أَيْضًا.
(وَ) فِيمَا إذَا تَرَكَ الْخُنْثَى أَبَاهُ وَابْنًا (عِنْدَ الشَّعْبِيِّ لَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) تَخْرِيجًا أَوْ مَذْهَبًا، وَذَلِكَ أَنَّ لِلِابْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ كُلَّ الْمِيرَاثِ وَلِلْبِنْتِ نِصْفَهُ، فَكَانَ نِصْفُ الْكُلِّ اثْنَيْنِ وَنِصْفٌ وَوَاحِدٌ وَالْمَجْمُوعُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ فَإِنْ خَرَجَ أَرْبَعَةٌ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ فَيُجْعَلُ لِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَالْمَجْمُوعُ يَكُونُ سَبْعَةً (وَخَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) تَخْرِيجًا، وَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ النِّصْفِ أَيْ الرُّبْعَ، وَنِصْفُ الثُّلُثِ أَيْ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ فَيُحْتَاجُ إلَى عَدَدٍ لَهُ رُبْعٌ وَسُدُسٌ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ وَرُبْعُهُ ثَلَاثَةٌ وَسُدُسُهُ اثْنَانِ وَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةٌ فَهِيَ لِلْخُنْثَى وَالْبَاقِي أَيْ سَبْعَةٌ لِلِابْنِ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَ التَّفْسِيرَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّمَا هُوَ بِثُلُثِ رُبْعِ السُّبُعِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُحَاسِبِ.
(وَلَوْ قَالَ سَيِّدُهُ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ)؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُ الْخُنْثَى.
(وَلَوْ قَالَ بَعْدَ تَقَرُّرِ إشْكَالِهِ أَنَا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى لَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى يُخَالِفُ قَضِيَّةَ الدَّلِيلِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ إشْكَالِهِ (يُقْبَلُ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَهُ.

.مَسَائِلَ شَتَّى:

قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا ذِكْرَ مَسَائِلَ شَتَّى أَوْ مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ لِتَدَارُكِ مَا لَمْ يَذْكُرُوا بِحَقِّ ذِكْرِهِ فِيهِ خُصُوصًا إذَا انْتَهَى الْكِتَابُ (كِتَابَةُ الْأَخْرَسِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْآتِي كَالْبَيَانِ (وَإِيمَاؤُهُ بِمَا يُعْرَفُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَإِيمَاؤُهُ (بِهِ إقْرَارُهُ بِنَحْوِ تَزَوُّجٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِيمَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّنَازُعِ، وَكَذَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَوَصِيَّةٍ وَقَوَدٍ) وَجَبَ (عَلَيْهِ أَوَّلُهُ كَالْبَيَانِ) إذَا كَانَ إيمَاءُ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ وَهُوَ النُّطْقُ بِاللِّسَانِ يَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ يَكُونُ بَيَانًا مِنْ الْقَادِرِ فَمَا ظَنُّك مِنْ الْعَاجِزِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا قُرِئَ عَلَى الْأَخْرَسِ كِتَابُ وَصِيَّةٍ فَقِيلَ لَهُ نَشْهَدُ عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ أَوْ كَتَبَ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ الشُّرَّاحُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ مَا يَجِيءُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْإِنْكَارِ مِثْلُ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ عَرْضًا وَالثَّانِي مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ طُولًا إذَا كَانَ مَعْهُودًا مِنْهُ فِي نَعَمْ انْتَهَى.
وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ فِي تَقْدِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَعَيَّنَ أَنَّ وَضْعَهَا فِيمَا جَاءَ مِنْهُ دَلَالَةُ الْإِقْرَارِ فَلَمْ تَبْقَ حَاجَةٌ فِي تَقْدِيرِ جَوَابِهَا إلَى قَوْلِهِ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بَلْ كَانَ يَكْفِي قَوْلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا وُرُودَ لَهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّارِحِينَ أَنْ يُطَابِقُوا بِكَلَامِهِمْ كَلَامَ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى وَجْهِ الْإِيضَاحِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ لِكَلَامِهِمْ قَالَ مَا قَالَ.
(وَلَا يُحَدُّ الْأَخْرَسُ لِقَذْفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ) كَالزِّنَاءِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَيْ لَا يَكُونُ كِتَابَةُ الْأَخْرَسِ وَإِيمَاؤُهُ بِالْقَذْفِ وَلَا كِتَابَتُهُ وَإِيمَاؤُهُ بِالْإِقْرَارِ بِالزِّنَاءِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ كَالْبَيَانِ حَتَّى يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِي كِتَابَتِهِ وَإِيمَائِهِ شُبْهَةٌ، وَكَذَا لَا يُحَدُّ لَهُ إذَا كَانَ مَقْذُوفًا لِبَقَاءِ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مُصَدِّقًا لِلْقَاذِفِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ (وَمُعْتَقَلُ اللِّسَانِ) أَيْ الَّذِي احْتَبَسَ لِسَانُهُ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ (إنْ امْتَدَّ بِهِ ذَلِكَ) الِاعْتِقَالُ إلَى سَنَةٍ فِي رِوَايَةٍ، وَقِيلَ الِامْتِدَادُ إلَى أَوَانِ الْمَوْتِ إذْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ (وَعُلِمَتْ إشَارَتُهُ) أَيْ الْمُعْتَقَلِ (فَهُوَ كَالْأَخْرَسِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمْتَدَّ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ إشَارَتُهُ (فَلَا) يَكُونُ كَالْأَخْرَسِ حُكْمًا هَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا صَارَتْ مَعْهُودَةً، وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ الْمُعْتَقَلِ، وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْأَصْلِيِّ لَازِمَةٌ وَفِي الْعَارِضِيِّ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ إلَّا إذَا عُهِدَتْ الْإِشَارَةُ بِالِامْتِدَادِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حُكْمُ الْمُعْتَقَلِ كَحُكْمِ الْأَخْرَسِ فِي الِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ هُوَ الْعَجْزُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَلَا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ.
(وَالْكِتَابَةُ مِنْ الْغَائِبِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ)؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحُضُورِ فَلَا يَكُونُ فِي كَوْنِهَا حُجَّةً ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ الْأَخْرَسِ لَكِنْ (قَالُوا الْكِتَابَةُ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (إمَّا مُسْتَبِينٌ مَرْسُومٌ) أَيْ مُعَنْوَنٌ مَصْدَرٌ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ فِي أَوَّلِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ أَوْ يَكْتُبَ إلَى فُلَانٍ وَفِي آخِرِهِ مِنْ فُلَانٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ الْكِتَابَةِ (كَالنُّطْقِ فِي الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ) عَلَى مَا قَالُوا فَيَلْزَمُ حُجَّةً وَفِي زَمَانِنَا الْخَتْمُ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا، وَكَذَا الْكَتْبُ عَلَى كَاغَدٍ حَيْثُ يُشْتَرَطُ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَوْ كَتَبَ عَلَى الْغَيْرِ يَكُونُ غَيْرَ مَرْسُومٍ فَلِهَذَا قَالَ (وَأَمَّا مُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجِدَارِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ وَيَنْوِي فِيهِ) فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ مِنْ الصَّرِيحِ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً (وَأَمَّا غَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ) بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ غَيْرِ مَسْمُوعٍ (وَلَا عِبْرَةَ بِهِ) فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ وَإِنْ نَوَى، وَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَهُوَ حُجَّةٌ مِنْ الْأَخْرَسِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلَا تَخْتَصُّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بَلْ تَثْبُتُ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ وَتَثْبُتُ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ بِإِشَارَتِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ وَالْغَالِبُ فِي الْقِصَاصِ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْحُدُودُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ.
(وَإِذَا اخْتَلَطَ الذَّكِيَّةُ بِمَيْتَةٍ أَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الذَّكِيَّةِ (تَحَرَّى وَأَكَلَ) فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَيْتَةُ أَقَلَّ مِنْهَا بَلْ مُسَاوِيَةً أَوْ أَكْثَرَ فَلَا تُؤْكَلُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لَكِنْ (يَتَحَرَّى) فِي أَكْلِهَا (عِنْدَ الِاضْطِرَارِ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ الْغَنَمُ مَذْبُوحَةً وَفِيهَا مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى فِيهَا وَأَكَلَ وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَكْثَرَ أَوْ كَانَتَا نِصْفَيْنِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَاَلَّذِي تُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكِيَّةً أَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الذَّكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ دَلِيلٌ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّ الْحَالَةَ حَالَةُ الِاخْتِيَارِ وَلَنَا أَنَّ الْغَلَبَةَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ فِي إفَادَةِ الْإِبَاحَةِ.
أَلَا يُرَى أَنَّ أَسْوَاقَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو عَنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ مَعَ ذَلِكَ يَحِلُّ التَّنَاوُلُ اعْتِمَادًا عَلَى الْغَالِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَقَلِيلِ النَّجَاسَةِ وَقَلِيلِ الِانْكِشَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا نِصْفَيْنِ أَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَغْلَبَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ.
(وَإِذَا أَحْرَقَ رَأْسَ الشَّاةِ الْمُتَلَطِّخَ بِدَمٍ، وَزَالَ دَمُهُ فَاِتَّخَذَ مِنْهُ مَرَقَةً جَازَ) اسْتِعْمَالُهَا (وَالْحَرْقُ كَالْغَسْلِ)؛ لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ أَوْ يُحِيلَهُ فَيَصِيرَ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرَ بِالِاسْتِحَالَةِ قَالُوا إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ الْخُبْزُ.
(وَلَوْ جَعَلَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ بِخِلَافِ الْعُشْرِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَهُ أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَرَاجِ فَصَحَّ تَرْكُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ صِلَةٌ مِنْ الْإِمَامِ وَالْعُشْرُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْخُلُوصِ كَالزَّكَاةِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ خَرَاجَ أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ كَرْمِهِ أَوْ بُسْتَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِصَرْفِ الْخَرَاجِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ، وَهُوَ الْفَتْوَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ وَلَوْ تَرَكَ الْعُشْرَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَلَوْ دَفَعَ) الْإِمَامُ (الْأَرَاضِيَ الْمَمْلُوكَةَ إلَى قَوْمٍ) أَيْ إنْ عَجَزَ أَصْحَابُ الْخَرَاجِ عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ وَدَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَى غَيْرِ أَصْحَابِهَا بِالْأُجْرَةِ أَيْ يُؤَاجِرُهَا مِنْ الْقَادِرِينَ عَلَى الزِّرَاعَةِ، وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا (لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ) لِمُسْتَحِقِّهِ (جَازَ) ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَتِهَا يَدْفَعُهُ إلَى أَصْحَابِهَا وَهُمْ الْمُلَّاكُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إزَالَةِ مِلْكِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا وَجْهَ إلَى تَعْطِيلِ حَقِّ الْمُقَاتِلَةِ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِمَامُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَلَوْ لَمْ يَبِعْهَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا وَلَوْ بَاعَ يَفُوتُ حَقُّ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا غَيْرَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، ثُمَّ إذَا بَاعَهَا يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ وَرَدَّ الْفَضْلَ إلَى أَصْحَابِهَا.
قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُهَا لَكِنْ يَأْمُرُ مُلَّاكَهَا بِبَيْعِهَا، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ أَنَّ فِي هَذَا إلْزَامَ ضَرَرٍ خَاصٍّ لِنَفْعٍ عَامٍّ وَلِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامِّ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ فَصَارَ كَدَيْنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَدَيْنِ الْمَيِّتِ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِيهِمَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالرَّقَبَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَنْ أَيِّ يَوْمٍ صَحَّ) أَيْ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَقَضَاهُ نَاوِيًا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا جَازَ وَكَذَا لَوْ صَامَ وَنَوَى عَنْ يَوْمَيْنِ جَازَ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ.
(وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ فَلَا) يَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ) مَا لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَكَذَا) لَا يَصِحُّ (فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَوْ نَوَى ظُهْرًا عَلَيْهِ مَثَلًا، وَلَمْ يَنْوِ أَوَّلَ ظُهْرٍ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ أَوْ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا) وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَعَيَّنَتْ بِتَعْيِينِهِ وَكَذَا الْوَقْتُ مُعَيَّنٌ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا، فَإِذَا نَوَى أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ وَصَلَّى مِمَّا يَلِيهِ يَصِيرُ أَوَّلًا أَيْضًا فَيَدْخُلُ فِي نِيَّةِ أَوَّلِ ظُهْرٍ عَلَيْهِ ثَانِيًا، وَكَذَا ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَكَذَا الْآخِرُ وَهَذَا مُخَلِّصُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي فَاتَتْهُ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، وَأَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ (وَقِيلَ يَصِحُّ) نِيَّتُهُ عَنْ رَمَضَانَيْنِ وَكَذَا نِيَّتُهُ ظُهْرًا عَلَيْهِ مَثَلًا (فِيهِمَا) أَيْ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ وَقَضَاءِ الصَّلَاةِ (أَيْضًا) أَيْ لَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَيَّ يَوْمٍ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ.
(وَلَوْ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ بُزَاقَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ حَبِيبَهُ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَبِيبَهُ (فَلَا) يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
(وَقَتْلُ بَعْضِ الْحَاجِّ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ)؛ لِأَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطُ الْأَدَاءِ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ قَتْلِ الْبَعْضِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَكَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الْحَجِّ فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ.
(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ تُوزَن مِنْ شُدِيَ) يَعْنِي أَنْتِ هَلْ صِرْت زَوْجَةً لِي (فَقَالَتْ) الْمَرْأَةُ (شدم) أَيْ صِرْتُ (لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَقُلْ قَبُولٌ كردم)؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا شدم إيجَابٌ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ لَا يَنْعَقِدُ، وَقَوْلُهُ ابْتِدَاءً تُوزَن مِنْ شدي وَارِدٌ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُشَاوَرَةِ.
(وَلَوْ قَالَ لَهَا) أَيْ لِامْرَأَةٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ (خويشتن را زَنِّ مِنْ كردانيدي) مَعْنَاهُ هَلْ جَعَلْتِ نَفْسَكِ لِي زَوْجَةً (فَقَالَتْ) الْمَرْأَةُ (كردانيدم) أَيْ جَعَلْتُ (فَقَالَ) الرَّجُلُ (بذير فُتُّمْ) يَعْنِي قَبِلْتُ (يَنْعَقِدُ) النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا كردانيدم إيجَابٌ وَقَوْلَهُ بذير فتم قَبُولٌ.
(وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ دختر خويشتن را يسربا مِنْ أَرَزَانِي داشتي) مَعْنَاهُ هَلْ جَعَلْتَ بِنْتَكَ لَائِقَةً لِابْنِي (فَقَالَ داشتم) يَعْنِي جَعَلْتُ (لَا يَنْعَقِدُ) مَا لَمْ يَقُلْ قَبُولٌ كردم ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ.
(وَلَوْ مَنَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الزَّوْجَ (يَسْكُنُ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا) أَيْ فِي بَيْتِ الْمَرْأَةِ (كَانَتْ) الْمَرْأَةُ (نَاشِزَةً)؛ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا مَا دَامَتْ عَلَى مَنْعِهِ فَيَتَحَقَّقُ النُّشُوزُ مِنْهَا فَصَارَ كَحَبْسِهَا نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِ غَيْرِهَا هَذَا إذَا مَنَعَتْهُ وَمُرَادُهَا السُّكْنَى فِي مَنْزِلِهَا (وَلَوْ سَكَنَ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَلَا) تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّهَا مُحِقَّةٌ إذْ السُّكْنَى فِيهِ حَرَامٌ، وَكَذَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً لَوْ كَانَ الْمَنْعُ لِيَنْقُلَهَا إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوَطْءُ كُرْهًا غَالِبًا فَلَا يُعَدُّ مَنْعًا (وَلَوْ قَالَتْ لَا أَسْكُنُ مَعَ أَمَتِك وَأُرِيدُ) نَفْسَ الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ (بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ.
(وَلَوْ قَالَتْ) الْمَرْأَةُ (مَرَّ إطْلَاق ده فَقَالَ) الزَّوْجُ (داده كير أَوْ حُزِّبَ كير أَوْ داده باد أَوْ حُزِّبَ باد) مَعْنَاهُ أَعْطِنِي طَلَاقًا فَقَالَ افْرِضِي وَقَدِّرِي أَنَّهُ قَدْ أَعْطَى أَوْ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ أَوْ أَنَّهُ كَانَ أَعْطَى أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ فَعَلَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كير مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ أَمْسِكْ لَكِنَّ مَعْنَاهُ هُنَا افْرِضِي وَقَدِّرِي (إنْ نَوَى) الطَّلَاقَ (يَقَعُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ (فَلَا) يَقَعُ لِاحْتِمَالِ الْوَعْدِ وَالْإِيقَاعِ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْإِيقَاعِ.
(وَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (داده) فِي جَوَابِ قَوْلِهَا مَرَّ إطْلَاق ده (أَوْ حُزِّبَ است يَقَعُ) الطَّلَاقُ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَنْوِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْإِيقَاعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.
(وَلَوْ قَالَ داده آنِكَار) وَ حُزِّبَ آنِكَار (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (نَوَى) الْوُقُوعَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْأَوَّلِ إخْبَارًا عَنْ الْوُقُوعِ فَيَقَعُ مُطْلَقًا وَفِي الثَّانِيَةِ لَيْسَ بِإِخْبَارٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ داده آنكار افْرِضِي أَنَّهُ وَقَعَ أَوْ احْسِبِي فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ.
(وَلَوْ قَالَ وى مَرَّا نشايد تاقيامت) يَعْنِي هِيَ لَا تَلِيقُ لِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (أَوْ همه عمر) أَيْ هِيَ لَا تَلِيقُ فِي جَمِيعِ عُمْرِي أَوْ مُدَّةَ عُمْرِي (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (إلَّا بِالنِّيَّةِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ.
(وَلَوْ قَالَ لَهَا حِيَله زنان كُنَّ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ)؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ افْعَلِي حِيلَةَ النِّسَاءِ وَمَقْصُودُهُمْ بِهَذَا احْفَظِي عِدَّتَك أَوْ عُدِّي أَيَّامَ عِدَّتِك فَإِنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ كِنَايَةً عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَشْتَغِلُ بِأُمُورٍ إلَّا بَعْدَ تَيَقُّنِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ.
(وَلَوْ قَالَ حِيَله خويشتن كُنَّ فَلَا) يَكُونُ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكِنَايَةٍ عَنْ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ.
وَفِي التَّنْوِيرِ قَالَ إنْ كَانَ اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُشْرِكِينَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ قَالُوا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَنْ لَا يُعَذَّبُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَوْ قَالَتْ) امْرَأَةٌ (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (كَابِينَ وَسُوبْيَا بخشيدم) مَعْنَاهُ وَهَبْت لَك الْمَهْرَ (مِرَا ازجنك بازدار) مَعْنَاهُ خَلِّصْنَا مِنْ نِزَاعِك (فَإِنْ طَلَّقَهَا) أَيْ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ (سَقَطَ الْمَهْرُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا (فَلَا) يَسْقُطُ الْمَهْرُ لِلتَّعْلِيقِ.
(وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا مَالِكِي أَوْ لِأَمَتِهِ أَنَا عَبْدُكِ لَا يُعْتَقُ) أَيْ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ فِي الْعَبْدِ وَلَا فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحِ الْعِتْقِ وَلَا كِنَايَةً لَهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ يَا مَوْلَايَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَيُعْتَقُ.
(وَلَوْ دَعَا إلَى فِعْلٍ فَقَالَ) الْمَدْعُوُّ (برمن سو كندست) يَعْنِي عَلَيَّ الْيَمِينُ (كه أَيْنَ كَارِ) يَعْنِي هَذَا الْفِعْلَ (نكنم) أَيْ لَا أَفْعَلُ (فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى) لَا بِالْيَمِينِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ حَمْلًا عَلَى الْمَشْرُوعِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
(وَإِنْ قَالَ برمن سو كندست بِطَلَاقِ) مَعْنَاهُ عَلَيَّ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ (فَإِقْرَارٌ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ) لِلتَّصْرِيحِ بِهِ حَتَّى إذَا فَعَلَهُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ.
(وَإِنْ قَالَ قُلْتُ ذَلِكَ كَذِبًا لَا يُصَدَّقُ) احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْيَمِينِ.
(وَ) كَذَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ (لَوْ قَالَ مراسوكند خانه است أَيْنَ كار نكنم) مَعْنَاهُ أَنَا حَالِفٌ بِيَمِينِ الْبَيْتِ أَنْ لَا أَفْعَلَ هَذَا الْفِعْلَ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالطَّلَاقِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ.
(وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ بهارا بازده) مَعْنَاهُ رُدَّ الثَّمَنَ (فَقَالَ الْبَائِعُ بِدَهْمِ) أَيْ أَرُدُّ (يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ) لِأَنَّ قَوْلَ الْمُشْتَرِي بهارا بازده يَتَضَمَّنُ قَوْلَهُ فَسَخْتُ الْبَيْعَ وَقَوْلُ الْبَائِعِ بدهم يَتَضَمَّنُ قَوْلَهُ قَبِلْتُ الْفَسْخَ فَكَانَ فَسْخًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ (الْعَقَارُ الْمُتَنَازَعُ) فِيهِ (لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعِي) عَلَى أَنَّهُ فِي يَدِهِ أَيْ إذَا ادَّعَى عَقَارًا لَا يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِتَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ دَعْوَاهُ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ فِي الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَنْتَفِي تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ فَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ لِتَحَقُّقِ يَدِهِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالْبَيِّنَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ هَذَا إذَا ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، فَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَأَقَرَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ.
(وَلَا يَصِحُّ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي عَقَارٍ لَيْسَ فِي وِلَايَتِهِ) لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ عَقَارٌ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِيهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنَّمَا عَدَلْنَا عَمَّا اعْتَمَدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمَحْدُودِ لَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْدُودُ فِي وِلَايَتِهِ انْتَهَى.
وَفِي تَبْيِينِ الْكَنْزِ عَلَّلَ عَدَمَ صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.
قَالَ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ هَلْ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ أَوْ الْأَهْلُ فَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْأَهْلُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ الْمَكَانَ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَهْلِ عَلَى مَنْ يَعْتَبِرُ الْأَهْلَ، وَإِنْ خَرَجَ الْقَاضِي مَعَ الْخَلِيفَةِ مِنْ الْمِصْرِ قَضَى، وَإِنْ خَرَجَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْمَكَانَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَيَكُونَ الْمِصْرُ شَرْطًا فِيهِ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا انْتَهَى.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَبِهِ يُفْتَى.
(وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي) أَيْ ظَهَرَ لِي (غَيْرَ ذَلِكَ) الْقَضَاءِ (أَوْ وَقَفْتُ فِي تَلْبِيسِ الشُّهُودِ أَوْ أَبْطَلْت حُكْمِي وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ) قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءُ مَاضٍ إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ) لِأَنَّ رَأْيَهُ الْأَوَّلَ قَدْ تَرَجَّحَ بِالْقَضَاءِ، فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلَا إبْطَالَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُدَّعِي.
أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَ لَمَّا اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ الْقَضَاءُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا لِمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ فَكَذَا الْقَاضِي.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ بَعْدَ الَّذِي قَضَى بِخِلَافِهِ فَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ فَيَسْتَأْنِفُ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالِاجْتِهَادِ فِي حَادِثَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا ثُمَّ تَحَوَّلَ عَنْ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِي الْمُسْتَقْبِلِ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ عِنْدَهُ، وَلَا يَنْقُضُ مَا مَضَى مِنْ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ دُونَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَنْقُضْ الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَى بِالرَّأْيِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بَعْدَهُ فَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ ذَلِكَ الْقَضَاءَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِاجْتِهَادِهِ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَ الْأَوَّلِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فَالنَّصُّ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِاجْتِهَادِهِ كَانَ مَوْجُودًا مُنْزَلًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ كَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلٍّ لَا نَصَّ فِيهِ فَيَصِحُّ وَصَارَ ذَلِكَ شَرِيعَةً لَهُ فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ صَارَ نَاسِخًا لِذَلِكَ الشَّرِيعَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ وُقُوعَ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي عَدَمِ صِحَّةِ رُجُوعِ الْقَاضِي عَنْهُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ، وَيُفْهَمُ مِنْ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَضَى بِعِلْمِهِ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا قَالَ الشُّهُودُ قَضَيْتَ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي بِأَنْ قَالَ لَمْ أَقْضِ فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مَا لَمْ يُنَفِّذْهُ قَاضٍ آخَرُ أَمَّا إذَا أَنْفَذَهُ قَاضٍ آخَرُ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ لِوُجُودِ قَضَائِهِ الثَّانِي بِهِ.
(وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ حَقٌّ فَخَبَّأَ) صَاحِبُ الْحَقِّ (قَوْمًا ثُمَّ سَأَلَهُ) أَيْ سَأَلَهُ الْآخَرُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ (فَأَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْحَقِّ (وَهُمْ) أَيْ الْقَوْمُ (يَرَوْنَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (وَيَسْمَعُونَهُ) أَيْ يَسْمَعُونَ إقْرَارَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُقِرُّ (لَا يَرَاهُمْ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ) بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ عَلِمُوهُ وَالْعِلْمُ هُوَ الرُّكْنُ فِي إطْلَاقِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ».
(وَإِنْ سَمِعُوا كَلَامَهُ، وَ) لَكِنْ (لَمْ يَرَوْهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (فَلَا) تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانُوا دَخَلُوا الْبَيْتَ وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، ثُمَّ جَلَسُوا عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ لِلْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فَسَمِعُوا إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَمْ يَرَوْهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ.
(وَلَوْ بِيعَ عَقَارٌ وَبَعْضُ أَقَارِبِ الْبَائِعِ حَاضِرٌ يَعْلَمُ الْبَيْعَ، وَسَكَتَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ) بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا إلَّا إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً حَيْثُ تَسْقُطُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْفُضُولِيُّ مِلْكَ رَجُلٍ وَالْمَالِكُ سَاكِتٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَضِيَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى.
وَفِي التَّبْيِينِ لَمْ يُعَيِّنْ الْقَرِيبَ هُنَا وَفِي الْفَتَاوَى لِأَبِي اللَّيْثِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَابْنُهُ وَامْرَأَتُهُ حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ، وَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَمَانًا، ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِلْكَ أَبِيهِ وَقْتَ الْبَيْعِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَهُوَ تَلْبِيسٌ مَحْضٌ وَحُضُورُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَتَرْكُهُ فِيمَا يَصْنَعُ فِيهِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، وَأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ وَجَعَلَ سُكُوتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْإِفْصَاحِ بِالْإِقْرَارِ قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ لِأَهْلِ الْعَصْرِ فِي الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْقَرِيبِ يُبْقِي جَوَازَ ذَلِكَ مَعَ الْقَرِيبِ انْتَهَى.
لَكِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَمَانًا؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْجَارِ مَعَ أَنَّ الْجَارَ يُخَالِفُهُ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ فَتْوَى أَئِمَّةِ بُخَارَى عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ وَالدَّعْوَى كَمَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ السَّاكِتُ غَيْرَ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ النَّاطِقِ لَا يُجْعَلُ إقْرَارًا وَأَئِمَّةُ خَوَارِزْمَ عَلَى رَأْيِ أَئِمَّةِ سَمَرْقَنْدَ حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي فَتَاوَاهُ أَنَّهُ تُسْمَعُ فِي الزَّوْجَةِ لَا فِي غَيْرِهَا.
وَفِي الْمِنَحِ يَتَأَمَّلُ الْمُفْتِي فِي ذَلِكَ إنْ رَأَى الْمُدَّعِيَ السَّاكِتَ الْحَاضِرَ ذَا حِيلَةٍ أَفْتَى بِعَدَمِ السَّمَاعِ، وَإِنْ رَأَى خِلَافَهُ أَفْتَى بِالسَّمَاعِ لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الزَّمَانِ الْفَسَادُ فَلَا يُفْتَى إلَّا بِمَا اخْتَارَهُ أَهْلُ خَوَارِزْمَ.
(وَلَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ) الْمَرْأَةُ (فَطَلَبَ أَقَارِبُهَا الْمَهْرَ) مِنْهُ (وَقَالُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (كَانَتْ الْهِبَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (وَقَالَ) الزَّوْجُ لَا (بَلْ فِي صِحَّتِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ.
وَفِي التَّبْيِينِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ حَادِثَةٌ وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْوَارِثِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَهَبَ عَبْدًا لِوَارِثِهِ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ بَاعَهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ فَالْوَارِثُ يَدَّعِي الْعَوْدَ عَلَيْهِ بِمَوْتِهَا، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَنَصُّ كَلَامِهِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَادَّعَى بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ أَنَّ الْمُوَرِّثَ وَهَبَ لَهُ فِي صِحَّتِهِ وَقَبَضَهُ وَنَفَتْهُ الْوَرَثَةُ قَالُوا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ يَكُونُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْهِبَةَ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْهِبَةَ فِي الصِّحَّةِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى.
(وَلَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ ثُمَّ قَالَ كُنْتُ كَاذِبًا فِيمَا أَقْرَرْتُ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ وَلَسْتُ بِمُبْطِلٍ فِيمَا تَدَّعِي عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا فَلَا يُصَارُ مَعَهُ إلَى الْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ صَكَّ الْإِقْرَارِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ حُجَّةً عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَحْلِفُ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (يُفْتَى) لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ، وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَالْمُدَّعِي لَا يَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَاهِبُ ثُمَّ أَنْكَرَ، وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْمَوْهُوبِ يَحْلِفُ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، ثُمَّ قَالَ كَذَبْتُ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الْمَبِيعِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ فَلَهُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُ لَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ، وَرُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمَّا قُلِّدَ الْقَضَاءَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَاقِلٍ لِمِلْكِ الْمُقِرِّ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ الْوَضْعِيِّ عَنْهُ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إيجَادُ مَعْنًى بِلَفْظٍ يُقَارِنُهُ فِي الْوُجُودِ فَيَمْتَنِعُ فِيهِ التَّخَلُّفُ.
(وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُكَ بَيْعَ هَذَا) الشَّيْءِ (فَسَكَتَ) الْمُخَاطَبُ (صَارَ وَكِيلًا)؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ وَعَدَمَ رَدِّهِ مِنْ سَاعَتِهِ دَلِيلُ الْقَبُولِ عَادَةً، وَنَظِيرُهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِذَا سَكَتَ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَسَقَطَ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَإِنْ قَالَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ.
(وَمَنْ وَكَّلَ امْرَأَتَهُ بِطَلَاقِ نَفْسِهَا لَا يَمْلِكُ) الزَّوْجُ الْمُوَكِّلُ (عَزْلَهَا)؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ تَعْلِيقٌ بِفِعْلِهَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْيَمِينِ وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَطَرِيقُ عَزْلِهِ أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُكَ ثُمَّ عَزَلْتُك)؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِذَا عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ فَتَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ فَصَارَ وَكِيلًا جَدِيدًا، ثُمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَوْ قَالَ) لِآخَرَ وَكَّلْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنِّي (كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي) لَا يَكُونُ مَعْزُولًا بَلْ كُلَّمَا عَزَلَهُ كَانَ وَكِيلًا لِأَنَّ كُلَّمَا تُفِيدُ عُمُومَ الْأَفْعَالِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَهُ (فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ) فَإِنَّهُ إذَا رَجَعَ عَنْهَا لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ فَإِذَا قَالَ بَعْدَهَا وَعَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ لَفْظِ كُلَّمَا فَحِينَئِذٍ يَنْعَزِلُ.
(وَقَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ شَرْطٌ إنْ كَانَ) الصُّلْحُ (دَيْنًا بِدَيْنٍ) بِأَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ أَوْ بَيْعٌ وَفِيهِ لَا يَجُوزُ الِافْتِرَاقُ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ (فَلَا) يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ عَلَى غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ لَا يَبْقَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَالَ الرِّبَا كَمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ.
(وَمَنْ ادَّعَى عَلَى صَبِيٍّ دَارًا فَصَالَحَهُ أَبُوهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ جَازَ الصُّلْحُ إنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ) بَيْنَ النَّاسِ لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ فِيهِ مَنْفَعَةً وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَيْنِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَالِحْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَيَأْخُذُهُ فَيَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ مِنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعِي (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ (غَيْرَ عَادِلَةٍ لَا يَجُوزُ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ مُتَبَرِّعًا بِمَالِ الصَّبِيِّ بِالصُّلْحِ لَا مُشْتَرِيًا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لَوْلَا الصُّلْحُ.
(وَمَنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي) عَلَى دَعْوَى هَذَا الْحَقِّ (ثُمَّ بَرْهَنَ) أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً (صَحَّ) بُرْهَانُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَنَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِظَاهِرِ التَّنَاقُضِ، وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي حَقٌّ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ.
(وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا شَهَادَةَ لِي فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ثُمَّ شَهِدَ) لِمَا مَرَّ.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ أَيْضًا، وَقِيلَ تُقْبَلُ وِفَاقًا إنْ وَافَقَ.
وَفِي التَّنْوِيرِ قَالَ تَرَكْتُ دَعْوَايَ عَلَى فُلَانٍ وَفَوَّضْت أَمْرِي إلَى الْآخِرَةِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ.
وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عِنْدَ فُلَانٍ شَهَادَةٌ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَشَهِدَ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَتَى بِالْحُجَّةِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَلَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ ذَلِكَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ، وَكُلُّ إقْرَارٍ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ لِغَيْرِهِ حَقٌّ كَانَ لَغْوًا وَلِهَذَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمُلَاعِنِ نَسَبَ وَلَدٍ نَفَى بِلِعَانِهِ نَسَبَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لَمْ يُثْبِتْ فِيهِ حَقًّا.
(وَلِلْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُقْطِعَ) مِنْ الْإِقْطَاعِ (إنْسَانًا مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ) وَهِيَ الشَّارِعُ الْأَعْظَمُ (إنْ لَمْ يَضُرَّ) ذَلِكَ (بِالْمَارَّةِ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ بِهِمْ، وَكَانَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحِقَ ضَرَرًا بِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَالْإِمَامُ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَيَمْلِكُ مَا يَمْلِكُهُ.
(وَمَنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا (وَلَمْ يُعَيِّنْ) السُّلْطَانُ (بَيْعَ مَالِهِ) بَلْ طَلَبَ مِنْهُ جُمْلَةً مِنْ الْمَالِ (فَبَاعَ مَالَهُ نَفَذَ) بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ بِهِ، وَإِنَّمَا بَاعَ بِاخْتِيَارِهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ احْتَاجَ إلَى بَيْعِهِ لِإِيفَاءِ مَا طَلَبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكُرْهَ كَالدَّائِنِ إذَا حُبِسَ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ مَالَهُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْكُرْهُ فِي الْإِيفَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَوْ خَوَّفَ امْرَأَتَهُ بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْهُ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ إنْ قَدَرَ عَلَى الضَّرْبِ) لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَيْهِ إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ.
(وَإِنْ أَكْرَهَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (عَلَى الْخُلْعِ فَفَعَلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ)؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُكْرَهَ وَاقِعٌ (وَلَا يَجِبُ الْمَالُ) إذْ الرِّضَا شَرْطٌ فِيهِ، وَقَدْ انْعَدَمَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْإِكْرَاهِ.
(وَلَوْ أَحَالَتْ) أَيْ الْمَرْأَةُ (إنْسَانًا بِالْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ) لِيَأْخُذَ مِنْهُ عِوَضَ دَيْنِهِ مَثَلًا (ثُمَّ وَهَبَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ)؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَرْهُونَ أَوْ وَهَبَهُ.
(وَمَنْ اتَّخَذَ بِئْرًا أَوْ بَالُوعَةً فِي دَارِهِ فَنَزَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ الْبَالُوعَةِ (حَائِطُ جَارِهِ وَطَلَبَ) الْجَارُ (تَحْوِيلَهُ) أَيْ تَحْوِيلَ ذَلِكَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ (لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّحْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ.
(وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ سَبَبِ النَّزِّ (لَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا بِالتَّعَدِّي.
(وَمَنْ عَمَّرَ دَارَ زَوْجَتِهِ بِمَالِهِ) أَيْ بِمَالِ الزَّوْجِ (بِإِذْنِهَا) أَيْ بِإِذْنِ الزَّوْجَةِ (فَالْعِمَارَةُ) تَكُونُ (لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهَا بِذَلِكَ (وَالنَّفَقَةُ) الَّتِي صَرَفَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْعِمَارَةِ (دَيْنٌ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَطَوِّعٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ الْأَمْرِ فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ.
(وَإِنْ عَمَّرَهَا) أَيْ الدَّارَ (لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ (بِلَا إذْنِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (فَالْعِمَارَةُ لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ (وَهُوَ) أَيْ الزَّوْجُ فِي الْعِمَارَةِ (مُتَبَرِّعٌ) فِي الْإِنْفَاقِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِهِ، (وَإِنْ عَمَّرَ لِنَفْسِهِ بِلَا إذْنِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (فَالْعِمَارَةُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي بَنَى بِهَا مِلْكُهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ غَاصِبًا لِلْعَرْصَةِ وَشَاغِلًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إنْ طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، لَكِنْ بَقِيَ صُورَةٌ وَهِيَ أَنْ يُعَمِّرَ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِهَا فَفِي الْفَرَائِدِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِمَارَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَهُ وَالْعَرْصَةُ لَهَا، وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إنْ طَلَبَتْهُ انْتَهَى.
(وَمَنْ أَخَذَ غَرِيمًا لَهُ فَنَزَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّازِعِ) إذَا هَرَبَ الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ تَسْبِيبٌ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَيَاعِ حَقِّهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا إذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَأَبَقَ أَوْ كَدَلَالَةِ السَّارِقِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الدَّالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِ السَّرِقَةِ لَا بِالدَّلَالَةِ، وَكَمَنْ أَمْسَكَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ حَتَّى قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَذَا هَذَا.
(وَمَنْ فِي يَدِهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ ادْفَعْهُ) أَيْ هَذَا الْمَالَ (إلَيَّ وَإِلَّا قَطَعْتُ يَدَكَ أَوْ ضَرَبْتُك خَمْسِينَ سَوْطًا لَا يَضْمَنُ) الدَّافِعُ (لَوْ دَفَعَ) الْمَالَ إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ أَوْ أَيِّهِمَا شَاءَ الْمَالِكُ إنْ كَانَ الْآخِذُ مُخْتَارًا وَإِلَّا فَعَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُكْرِهُ وَالْآخِذُ هُوَ السُّلْطَانُ فَقَطْ بِشَهَادَةِ قَوْلِهِ إلَيَّ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ وَضَعَ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْجَلًا لِيَصِيدَ بِهِ) أَيْ بِالْمِنْجَلِ (حِمَارَ وَحْشٍ وَسَمَّى عَلَيْهِ) عِنْدَ الْوَضْعِ (فَجَاءَ) فِي الْيَوْمِ الثَّانِي (وَوَجَدَ الْحِمَارَ مَجْرُوحًا مَيِّتًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَجْرَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَذْبَحَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي اتِّفَاقِيٌّ حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ.
(وَيُكْرَهُ مِنْ الشَّاةِ الْحَيَا) مَقْصُورًا وَهُوَ الْفَرْجُ (وَالْخُصْيَةُ وَالْمَثَانَةُ وَالذَّكَرُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَرَارَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ جَمِيلَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ «كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ» قَالَ الْإِمَامُ الدَّمُ حَرَامٌ وَكَرِهَ السِّتَّةَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ قُطِعَ بِتَحْرِيمِهِ وَكُرِهَ مَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الْأَنْفُسُ وَتَكْرَهُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنْ كَانَتْ مِنْ الْخَبَائِثِ يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِهَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} يَنْتَظِمُهَا فَكَيْفَ تُجْعَلُ مَكْرُوهَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى الْكَرَاهَةِ بِمَعْنًى آخَرَ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ تَفْصِيلٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَطْلَقَ اسْمَ الْحَرَامِ عَلَى الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَسَمَّى مَا سِوَاهُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَهُوَ النَّصُّ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إلَّا أَنْ تَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} وَبَقِيَّةُ السِّتَّةِ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ بَلْ بِالِاجْتِهَادِ وَبِظَاهِرِ الْكِتَابِ الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْوِيلِ وَالْحَدِيثِ.
(وَلِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْغَائِبِ وَالطِّفْلِ وَاللُّقَطَةَ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ فَلَا يَفُوتُ الْحِفْظُ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ لِعَجْزِهِمْ فَيَكُونُ تَضْيِيعًا إلَّا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا نَشَدَ اللُّقَطَةَ وَمَضَى مُدَّةُ النِّشْدَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْإِقْرَاضُ مِنْ فَقِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ فَالْقَرْضُ أَوْلَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِي الْأَقْضِيَةِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِقْرَاضَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ غَلَّةٌ لِلْيَتِيمِ أَمَّا إذَا وُجِدَتْ فَلَا يَمْلِكُهُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ لِجَوَازِ الْإِقْرَاضِ الْقَاضِي عَدَمُ وَصِيِّ الْيَتِيمِ وَلَوْ كَانَ مَنْصُوبَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ.
(وَلَوْ كَانَتْ حَشَفَةُ الصَّبِيِّ ظَاهِرَةً) حَيْثُ (مَنْ رَآهُ ظَنَّهُ مُخْتَنًا، وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا تُقْطَعُ جِلْدَةُ ذَكَرِهِ إلَّا بِمَشَقَّةِ جَازَ تَرْكُ خِتَانِهِ) عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ جِلْدَةِ ذَكَرِهِ لِتَنْكَشِفَ الْحَشَفَةُ فَإِذَا كَانَتْ الْحَشَفَةُ ظَاهِرَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ يُوَارِي الْحَشَفَةَ يُقْطَعُ الْفَضْلُ، وَلَوْ خَتَنَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْجَلْدَةَ كُلَّهَا يَنْظُرُ إنْ قَطَعَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ يَكُونُ خِتَانًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَإِنْ قَطَعَ النِّصْفَ فَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ الْخِتَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا.
(وَكَذَا) جَازَ تَرْكُ خِتَانِ (شَيْخٍ أَسْلَمَ وَقَالَ أَهْل النَّظَرِ لَا يُطِيقُ الْخِتَانَ) لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ وَالْخِتَانُ سُنَّةٌ وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِهِ فَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ حَارَبَهُمْ الْإِمَامُ.
(وَوَقْتُ الْخِتَانِ غَيْرُ مَعْلُومٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِوَقْتِهِ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُمَا فِيهِ شَيْءٌ (وَقِيلَ سَبْعُ سِنِينَ) وَقِيلَ لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً، وَقِيلَ تِسْعُ سِنِينَ وَقِيلَ وَقْتُهُ عَشْرُ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ عَشْرًا اعْتِبَارًا أَوْ تَخَلُّقًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْخِتَانِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلطَّهَارَةِ وَقِيلَ إنْ كَانَ قَوِيًّا يُطِيقُ أَلَمَ الْخِتَانِ خُتِنَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ) كَمَا يُقَالُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَهِيَ لِزِيَادَةِ الرَّحْمَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ لِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبُ، وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ.
وَيُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي لِلصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمُ لِلتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَسَائِرِ الْأَخْيَارِ، وَكَذَا يَجُوزُ التَّرَحُّمُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّرَضِّي لِلتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ.
(وَلَا) يَجُوزُ (الْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ إنْ قَصَدَ تَعْظِيمَ الْمَذْكُورِ مِنْ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
(وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْقَلَانِسِ) لِمَا رُوِيَ بِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ قَلَانِسُ يَلْبَسُهَا»، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ.
(وَلِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الشَّيْخِ الْجَاهِلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وَالْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ الْعُلَمَاءُ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، وَالْمُطَاعُ شَرْعًا يُقَدَّمُ، وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ.
(وَلِحَافِظِ الْقُرْآنِ أَنْ يَخْتِمَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهْمُ مَعَانِيهِ وَالِاعْتِبَارُ بِمَا فِيهِ لَا مُجَرَّدُ التِّلَاوَةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّأَنِّي لَا بِالتَّوَانِي فِي الْمَعَانِي فَقَدَّرُوا لِلْخَتْمِ أَقَلَّهُ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا يَقْرَأُ فِي كُلِّ يَوْمٍ حِزْبًا وَنِصْفَ حِزْبٍ وَأَقَلَّ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَتَمَ كِتَابَهُ فِي بَيَانِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَكَيْفِيَّةِ الْخَتْمِ.

.كِتَاب الْفَرَائِضِ:

وَجْهُ التَّأْخِيرِ بَيِّنٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ هِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ مِنْ الْفَرْضِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ يُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا وَسُمِّيَ هَذَا الْعِلْمُ فَرَائِضَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَبَيَّنَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا وَهَذَا الْعِلْمُ مِنْ أَشْرَفِ الْعُلُومِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» وَقَدْ حَثَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ بِقَوْلِهِ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ يُنْسَى وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي».
(يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) الْخَالِيَةِ عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهَا كَالرَّهْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُقَدَّمُ عَلَى التَّجْهِيزِ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ (بِتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ) اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ فِي حَيَاتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى عَلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْغَيْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ تَجْهِيزُهُ وَدَفْنُهُ (بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ) وَهُوَ قَدْرُ كَفَنِ الْكِفَايَةِ أَوْ كَفَنِ السُّنَّةِ، أَوْ قَدْرَ مَا يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ أَوْسَطِ ثِيَابِهِ أَوْ مِنْ الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالزِّيَارَاتِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَفَنُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَقَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ) مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ الْبَاقِي بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالدَّفْنِ أَيْ ثُمَّ يُبْدَأُ بِوَفَاءِ دَيْنِهِ الَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لَا دَيْنِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا مِنْ عِنْدِهِمْ (ثُمَّ تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ) أَيْ ثُمَّ يُبْدَأُ بِوَصِيَّتِهِ أَيْ بِتَنْفِيذِهَا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا مَرَّ، ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ تَشْرِيكٌ لَهُمْ حَتَّى إذَا سَلِمَ لَهُ شَيْءٌ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ (ثُمَّ يُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ وَرَثَتِهِ) أَيْ الَّذِينَ ثَبَتَ إرْثُهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.
(وَيُسْتَحَقُّ الْإِرْثُ بِنَسَبٍ وَنِكَاحٍ وَوَلَاءٍ) كَمَا سَيَأْتِي مُفَصَّلًا (وَيُبْدَأُ بِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ) أَيْ كُلِّ صَاحِبِ سَهْمٍ مُقَدَّرٍ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَتَقْدِيمُهُمْ عَلَى الْعَصَبَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْهُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» (ثُمَّ) يُبْدَأُ (بِالْعِصَابِ النَّسَبِيَّةِ فَإِنَّ الْعُصُوبَةَ النَّسَبِيَّةَ أَقْوَى مِنْ السَّبِيَّةِ) يُرْشِدُك إلَى ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ دُونَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ السَّبِيَّةِ أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ (ثُمَّ) يُبْدَأُ (بِالْمُعْتِقِ) بِكَسْرِ التَّاءِ مُذَكَّرًا كَانَ أَوْ مُؤَنَّثًا فَإِنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَيَرِثُهُ وَيُسَمَّى ذَلِكَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَالنِّعْمَةِ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) أَيْ يُبْدَأُ عِنْدَ عَدَمِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ بِعَصَبَتِهِ مِنْ الذُّكُورِ وَهَذَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ» الْحَدِيثَ (ثُمَّ الرَّدُّ) أَيْ يُبْدَأُ بَعْدَ الْعَصَبَاتِ السَّبَبِيَّةِ بِالرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ لِبَقَاءِ قَرَابَتِهِمْ بَعْدَ أَخْذِ فَرَائِضِهِمْ دُونَ ذَوِي الْفُرُوضِ السَّبَبِيَّةِ (ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ) أَيْ يُبْدَأُ عِنْدَ عَدَمِ الرَّدِّ لِانْتِفَاءِ ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ بِذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُمْ الَّذِينَ لَهُمْ قَرَابَةٌ وَلَيْسُوا بِعَصَبَةٍ وَلَا ذَوِي سَهْمٍ (ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ يُبْدَأُ فِي جَمِيعِ الْمِيرَاثِ بِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ إنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَإِنْ وُجِدَ يُبْدَأُ بِهِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الْبَاقِي مِنْ فَرْضِهِ، وَتَفْصِيلُ حَالِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ قَدْ مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ (ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِنَسَبٍ) عَلَى الْغَيْرِ (لَمْ يَثْبُتْ) نَسَبُهُ بِإِقْرَارِهِ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ إذَا مَاتَ الْمُقِرُّ عَلَى إقْرَارِهِ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْمُقَرَّ لَهُ مُؤَخَّرٌ فِي الْإِرْثِ عَنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَمُقَدَّمٌ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَفَصَّلَهُ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ فَلْيُطَالَعْ (ثُمَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إذَا عُدِمَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يُبْدَأُ بِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَيُكَمَّلُ لَهُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ عَمَّا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْلِ الْوَرَثَةِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَلَهُ عِنْدَنَا مَا عَيَّنَ لَهُ كَامِلًا، وَإِنَّمَا أُخِّرَ عَنْ الْمُقَرِّ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ نَوْعَ قَرَابَةٍ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ (ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ) أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الْمَذْكُورِينَ تُوضَعُ التَّرِكَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى أَنَّهَا مَالٌ ضَائِعٌ فَصَارَ فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَيُوضَعُ هُنَاكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ مُنْتَظِمًا يُقَدَّمُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدِّ وَلَا مِيرَاثَ عِنْدَهُمْ أَصْلًا لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَلَا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ.
(وَيَمْنَعُ الْإِرْثَ الرِّقُّ) وَافِرًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَال فَهُوَ لِمَوْلَاهُ فَلَوْ وَرَّثْنَاهُ عَنْ أَقْرِبَائِهِ لَوَقَعَ الْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ فَيَكُونُ تَوْرِيثًا لِلْأَجْنَبِيِّ بِلَا سَبَبٍ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا (وَالْقَتْلُ كَمَا مَرَّ) تَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ (وَاخْتِلَافُ الْمِلَّتَيْنِ) فَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ مِنْ الْمُسْلِمِ إجْمَاعًا، وَلَا الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عُلَمَاؤُنَا وَالشَّافِعِيُّ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ (وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً) كَالْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ (أَوْ حُكْمًا) كَالْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ أَوْ الْحَرْبِيَّيْنِ مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكْرَارِ.
(وَالْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ الْأَبُ وَأَبُوهُ) أَيْ أَبُ الْأَبِ (وَالِابْنُ وَابْنُهُ وَالْأَخُ وَابْنُهُ وَالْعَمُّ وَابْنُهُ وَالزَّوْجُ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ) أَيْ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ (وَمِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ) أَيْ أُمُّ الْأُمِّ (وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ وَالزَّوْجَةُ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ) أَيْ مَوْلَاةُ الْعَتَاقَةِ (وَهُمْ) أَيْ الْوَارِثُونَ الْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ قِسْمَانِ (ذَوُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ) أَيْ الْمُوَرَّثِ (فَذُو الْفَرْضِ مَنْ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ، وَالسِّهَامُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ النِّصْفُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً أَيْ الْبِنْتُ فَلَهَا النِّصْفُ وَقَالَ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} وَقَالَ {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} (وَالرُّبُعُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ حَيْثُ قَالَ {فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} وَقَالَ {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} (وَالثُّمُنُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ حَيْثُ قَالَ {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} (وَالثُّلُثَانِ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ قَالَ فِي حَقِّ الْبَنَاتِ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} وَفِي حَقِّ الْأَخَوَاتِ {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} (وَالثُّلُثُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ حَيْثُ قَالَ {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} وَقَالَ وَإِنْ كَانُوا أَيْ أَوْلَادُ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ (وَالسُّدُسُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ حَيْثُ قَالَ {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} وَقَالَ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وَقَالَ فِي حَقِّ وَلَدِ الْأُمِّ {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}.
ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّفْصِيلِ فَقَالَ (فَالنِّصْفُ لِلْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا) أَيْ عَدَمِ الْبِنْتِ لِأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ قَامَتْ مَقَامَهَا إذَا عُدِمَتْ الْبِنْتُ (وَ) النِّصْفُ (لِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ عِنْدَ عَدَمِهَا) أَيْ عَدَمِ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ (إذَا انْفَرَدْنَ) عَنْ إخْوَتِهِنَّ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَطْنَ بِهِمْ تَصِيرُ عَصَبَاتٍ بِهِمْ، وَيَكُونُ لِلذَّكَرِ حَظُّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَ) النِّصْفُ (لِلزَّوْجِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ) وَقَيَّدَ بِوَلَدِ الِابْنِ لِيَخْرُجَ وَلَدُ الْبِنْتِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ لَهَا الرُّبُعُ مَعَهُ.
(وَالرُّبُعُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا) وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ زَوْجٍ إمَّا النِّصْفَ وَإِمَّا الرُّبُعَ مِمَّا تَرَكَتْهُ امْرَأَتُهُ (وَلِلزَّوْجَةِ) الرُّبُعُ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَعَدَّدَتْ عِنْدَ عَدَمِهِمَا) أَيْ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ}.
(وَالثُّمُنُ) لَهَا أَيْ لِلزَّوْجَةِ (كَذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} وَإِنْ كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اشْتَرَكْنَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَأْخُذْنَ الْكُلَّ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ بِلَا وَلَدٍ وَالنِّصْفَ مَعَ الْوَلَدِ.
وَالثَّانِي أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ كَقَوْلِهِ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ فَيَكُونُ لِوَاحِدَةٍ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ عِنْدَ انْفِرَادِهَا بِالنَّصِّ، وَإِذَا كَثُرَتْ وَقَعَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُنَّ فَيُصْرَفُ إلَيْهِنَّ جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَتَصِيرُ لَهُ حَالَتَانِ.
(وَالثُّلُثَانِ لِكُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِمَّنْ فَرْضُهُنَّ النِّصْفُ) وَهِيَ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}.
(وَالثُّلُثُ لِلْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَ) عَدَمِ (الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) وَلَهَا مَعَ هَؤُلَاءِ (السُّدُسُ) وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْإِخْوَةِ فِي قَوْلِهِ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ} يُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَيَحْجُبُ الْأُمَّ لَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مِنْ أَيْ جِهَةٍ كَانَا أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَحْجُبْ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلَّا بِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ (وَلَهَا) أَيْ لِلْأُمِّ (ثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ) فَيَكُونُ لَهَا السُّدُسُ مَعَ الزَّوْجِ وَالْأَبِ وَالرُّبُعُ مَعَ الزَّوْجَةِ وَالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَصَارَ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: ثُلُثُ الْكُلِّ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَالسُّدُسُ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لَا يَرَى ثُلُثَ الْبَاقِي بَلْ يُوَرِّثُهَا ثُلُثَ الْكُلِّ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَخَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.
(وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ فِيهِمَا جَدٌّ فَلَهَا) أَيْ لِلْأُمِّ (ثُلُثُ الْجَمِيعِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يُبَالِي بِتَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ لَهَا مَعَ الْجَدِّ أَيْضًا ثُلُثَ الْبَاقِي عِنْدَهُ كَمَا فِي الْأَبِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ جَعَلَ الْجَدَّ كَالْأَبِ فَيَعْصِبُ الْأُمَّ كَمَا يَعْصِبُهَا الْأَبُ.
(وَ) الثُّلُثُ (لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ يُقَسَّمُ) الثُّلُثُ (لِذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ بِالسَّوِيَّةِ) يَعْنِي الْأُنْثَى مِنْهُمْ تَأْخُذُ مِثْلَ مَا يَأْخُذُ الذَّكَرُ مِنْهُمْ بِلَا تَفْضِيلِ الذَّكَرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} وَالشَّرِكَةُ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ.
(وَالسُّدُسُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَوْلَادِ الْأُمِّ (ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} وَالْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ، وَلِهَذَا قَرَأَ بَعْضُهُمْ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ.
(وَ) السُّدُسُ (لِلْأُمِّ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ أَوْ) وُجُودِ (الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) كَمَا سَبَقَ.
(وَ) السُّدُسُ (لِلْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ) فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَبِ ابْنٌ فَلَهُ فَرْضُهُ أَعْنِي السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ فَلَهُ السُّدُسُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ الِابْنَ وَالْبِنْتَ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالْفَرْضِ وَمَا بَقِيَ لِلْأَبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ مِنْ الْعَصَبَاتِ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ، وَوَلَدُ الِابْنِ وَلَدٌ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} وَلَيْسَ دُخُولُ وَلَدِ الِابْنِ فِي الْوَلَدِ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ عُرِفَ كَوْنُ حُكْمِ وَلَدِ الِابْنِ كَحُكْمِ الْوَلَدِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ.
(وَكَذَا السُّدُسُ لِلْجَدِّ الصَّحِيحِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ الصَّحِيحَ كَالْأَبِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ مَشْهُودَةٍ ثُمَّ عَرَّفَهُ فَقَالَ (وَهُوَ) أَيْ الْجَدُّ الصَّحِيحُ (مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ) كَأَبِ الْأَبِ (فَإِنْ دَخَلَتْ) فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ (فَجَدٌّ فَاسِدٌ) فَلَا يَرِثُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّ تَخَلُّلَ الْأُمِّ فِي النِّسْبَةِ يَقْطَعُ النَّسَبَ إذْ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَالشُّهْرَةِ، وَذَلِكَ بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ.
(وَ) السُّدُسُ (لِلْجَدَّةِ الصَّحِيحَةِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَعَدَّدَتْ) كَأُمِّ الْأُمِّ مَعَ الْأَبِ فَيَشْتَرِكْنَ فِي السُّدُسِ إذَا كُنَّ ثَابِتَاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ فِي الدَّرَجَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَطْعِمُوا الْجَدَّةَ السُّدُسَ» وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَشْرَكَ بَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ فِي السُّدُسِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، ثُمَّ عَرَّفَهَا فَقَالَ (وَهِيَ) أَيْ الْجَدَّةُ الصَّحِيحَةُ (مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ جَدٌّ فَاسِدٌ) هِيَ مَنْ يَتَخَلَّلُ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ ذَكَرٌ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ.
(وَ) السُّدُسُ (لِبِنْتِ الِابْنِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَعَدَّدَتْ مَعَ الْوَاحِدَةِ مِنْ بَنَاتِ الصُّلْبِ) تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ، وَقَدْ أَخَذَتْ الْوَاحِدَةُ النِّصْفَ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ فَبَقِيَ السُّدُسُ مِنْ الْبَنَاتِ فَيَأْخُذُهُ بَنَاتُ الِابْنِ وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً، وَمَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ فَبَنَاتُ الِابْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْفُرُوضِ مَعَ الْوَاحِدَةِ مِنْ الصُّلْبِيَّاتِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ ابْنُ ابْنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ يَكُنَّ عَصَبَةً مَعَهُ وَلَا يَرِثْنَ السُّدُسَ كَمَا سَيَأْتِي (وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ كَذَلِكَ) أَيْ لَهَا السُّدُسُ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ (مَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبَوَيْنِ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ، وَقَدْ أَخَذَتْ الْوَاحِدَةُ لِلْأَبَوَيْنِ النِّصْفَ فَبَقِيَ مِنْهُ سُدُسٌ فَيُعْطَى لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ، وَلَا يَرِثْنَ مَعَ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَيَعْصِبُهُنَّ كَمَا سَيَأْتِي.